التخطي إلى المحتوى الرئيسي

النظرية النسبية

وضع أينشتاين نظرية النسبية الخاصة، وهي النظريّة التي تُفسر حركة الأجسام بسرعات قريبة من سرعة الضوء، وعلى الرغم من وجود العديد من الأمور المترتبة على النسبية الخاصة فإن لِتلك النظرية المعقّدة أمرَيْن مُسلم بهما، ويسهل فهم كليهما. على أية حال، من أجل فهم هذين الأمرين علينا فهم النسبية أولاً.
من جانب، هناك اعتقادٌ خاطئ بأن أينشتاين هو من جاء بفكرة النسبية، في حين أن النسبية مفهوم قديم، يعود تاريخهُ لجاليليو (في العام 1632)، ومن جانبٍ آخر لم ينشر أينشتاين النسبية الخاصة حتى العام 1905.
استنتَج جاليليو - منْ تجاربه الخاصة - أنه إذا تحرّك مراقبان بسرعة منتظمة فسوف يحصلان على  النتائج نفسها في جميع التجارب الميكانيكة، ولتبسيط الفكرة: وجودك داخل مركبة تسير بسرعة منتظمة هو كوجودك داخل مركبة متوقفة (سرعتها = 0)، ولبَرهَنة ذلك انظر لمكانك الآن، ربما ستظن أنك متوقف، لكن في الحقيقة الأرض تَدور بسرعة ثابتة حول الشمس في الفضاء. أنت لا تشعر بشيء أثناء جلوسك وقرائتك لهذا المقال، وفي الواقع لا توجد هناك تجربة يمكنك إجراؤها على الأرض لتحديد السرعة التي تدور فيها.
وبالتالي فإن العبارة الأهم في النظرية النسبيّة هي "الإطار المرجعيّ"، وبحسب النظرية النسبية لا توجد قيمة مطلقة للسرعة، بل إنها تعتمد على مكان المراقبة، وإن النقطة الّتي تقوم فيها بالمراقبة تُمثل "إطارك المرجعيّ"، ويُسمى الإطار المرجعي المُتحرك بسرعة منتظمة "الإطار المرجعي للقصوري"، وخلاصة الكلام، يمكن القول: إن النظرية التي جاء بها غاليليو تُلخص أن جميع قوانين الفيزياء الميكانيكية تُعد صالحة ضمن مجال الإطار المرجعي للقصور الذاتي، ولكن من الناحية الفنية لا يمكن اعتبار كوكب الأرض إطاراً مرجعياً للقصوري، وذلك لسببين: (1) دوران الأرض حول محوَرِها الذاتيّ (2) دوران الأرض حول الشمس، وعلى أيّ حال فإن تأثير هاتين النقطتين صغير إلى حدٍ ما، بل ويمكن إهماله في بعض الأحيان.
هُناك مبدأ آخر لنظرية جاليلو وهو جمع السُرع، ويمكنك فهمه في المثال التالي: تخيل أنك تسير في مركبة بسرعة قدرها 10 متر/ثانية، ثُم قمت برمي كرة بالاتجاة الأمامي بسرعة 10 متر/ثانية، بالنسبة لمراقب يقف بعيداً عنك سيُلاحظ أن الكرة تسير بسرعة 20 متر/ثانية، أما في حالة رمي الكرة بالاتجاه الخلفي فسيُلاحظ نفس المراقب أن الكرة ثابتة (أي أن سرعَتها تساوي 0) بمعنى أن الكرة ستبدو لهُ متوقفة.
وهُنا يأتي دور أينشتاين، بافتراضه الأول قام بِتعميم نظرية جاليلو لتَشمل كل قوانين الفيزياء.  وصيغَت بالنص التالي: "كل قوانين الفيزياء صالحة ضمن جميع الأُطر المرجعية للقصورية". أصبح مفهوم الإطار المرجعي للقصوري واضحاً، ولكن ماهو الإطار المرجعي غير القصوري؟ ببساطة يُعرّف بأنه الإطار المرجعي المُعَجَل.
معروف عن أينشتاين أنه صاحب شعر غير منظّم، وشكل نموذجي للعالِم المجنون. في الحقيقة، أينشتاين كان بهذا الشكل حين كان شابًا في عام 1905 ونشر 4 أوراق بحثية قامت بثورة علمية كبيرة جعلت منه أيقونة للفيزياء الحديثة.
هناك "قوى وهمية" موجودة في الإطار غير المرجعي للقصوري. إن هذه القوى هي نفسها الّتي تقوم بدفعنا للأمام عندما يتوقف سائق الحافلة فجاءةً، ربما  تشعر بشيء من الملل، لكن الفرضية الثانية للنظرية الخاصة ستُثير اهتمامك.
نَصت الفرضية الثانية للنظرية النسبية على أن "سرعة الضوء في الفراغ قيمة ثابتة في جميع الأُطر المرجعية للقصورية" وهذا ببساطة يعني أنه أينما تنظر ستكون سرعة الضوء ثابتة في الفراغ (طالما كان يتحرك بسرعة منتظمة).
للوهلة الأولى قد لا يبدو هذا مُثيراً، لكن فكر في الأمر كالتالي: تخيل أنك في سفينة فضائية وتسافر بسرعة الضوء (هذا مستحيل ولكن فلنسلّم به هنا لتوصيل الفكرة)، ثم قمت بإطلاق حزمة ضوئية من أشعة الليزر نحو الأمام، فستخبرنا نظرية غاليلو في جمع السرع أنه  سيُلاحظ المراقب المتواجد بعيداً بأن سرعة حزمة الليزر ضعف سرعة الضوء، في حين تُخبرنا نظرية أينشتاين أن هذا المراقب سيرى أن حزمة الليزر تسير بنفس سرعة الضوء، لكن هل هذا ممكن؟ يترتب على ثبات سرعة الضوء نتيجتان تجعلان هذا الأمر ممكناً، وهما (1) انكماش الطول و(2) تمدد الزمن.
انكماش الطول هو قصر في طول الجسم المتحرك بالسرعة النسبية (السرعة المقاربة لسرعة الضوء) بالنسبة لمراقب متواجد خارج الجسم.
على جانبٍ آخر، تعريف تمدد الزمن هو تباطؤ في الزمن بالنسبة لجسم يتحرك بِسرع نسبية. لتوضيح هذا لنأخذ مفارقة التوءمين. المفارقة تبدأ بأن توءمين (لهما نفس العمر بطبيعة الحال). أحدهما التوءم (ِأ) ركب سفينة فضائية تُسافر بسرعة نسبية مُسافراً لِمكان بعيد، وبعد انقضاء مدة من الزمن، عاد التوءم (أ) بالسرعة نفسها، ولأن التوءم (أ) يُسافر بِسرعة نسبية ، فسيكون أصغر عُمراً من التوءم (ب) عند عودتهِ إلى الوطن، أي سيشهد التوءم (أ) تباطؤ في الزمن.
لمعرفة المزيد عن مقدار هذا التأثير على كل من (تمدد الزمن وانكماش الطول) سنتعرف على معامل رقمي يُسمى "مُعامل لورنتز" وتتراوح قيمتهُ من الصفر إلى اللا نهاية اعتماداً على سُرعة الجسم المُتحرك، ويُوضح هذا المعامل مقدار التمدد في الزمن والانكماش في الطول بالنسبة لِمُراقب متواجد بعيداً عن الجسم المُتحرك بسرعة (س).
معادلة لقيمة مهمة في معادلات النسبية الخاصّة - جاما. منها يمكنك حساب نسبة التمدد في الزمان، بحيث إنّ v هي سرعة الصاروخ (أو أيما كان ما يتحرّك)، و c هي سرعة الضوء التي تساوي 300 ألف كيومتر في الثانية.
إذا تحرك الجسم بسرعة تصل لـ (95%) من سرعة الضوء فسيكون مقدار معامل لورنتز 3.2. لذلك سيتباطأ الزمن بالنسبة لجسم يتحرك بسرعة (95%) من سرعة الضوء بمقدار 3.2 مرة، وسيقصر طول الجسم بمقدار 3.2 مرة، ويُمكن ملاحظة السفر بسرعة نسبية في انتقال الزمن باتجاه المستقبل، ولو كان بإمكانك السفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء (بالرغم من كونه شيئًا مستحيلاً) فستتراجع بالزمن. المُثير للاهتمام في معامل لورتنز هو أنهُ يقترب من اللانهاية كلما اقتربنا من سرعة الضوء، وهذا يعني أن تأثير تمدد الزمن وانكماش الطول يزداد كلما زادت سرعة الجسم.
إن السبب وراء عدم مقدرتنا على بناء سفينة فضائية تسير بِسرعة الضوء يُمكن ملاحظتهُ من خلال معامل لورنتز. عند دراسة الفيزياء في مناهج المدارس الثانوية يتبين لنا أن زخم الجسم (ي) يساوي كتلته ضرب سرعته، ولكن قيمة الزخم حسب النظرية النسبية تساوي السرعة ضرب الكتلة ضرب معامل لورنتز، وفي السرع القريبة من سرعة الضوء تزداد قيمة الزخم . ولهذا السبب نحتاج لطاقة غير متناهية لتحريك جسم يسير بسرعة الضوء، وتمكنت الفيزياء التجريبة من تعجيل جزيئات باستعمال معجلات جسيمات كبيرة لتقترب من سرعة الضوء. لا تعتقد أن ما درسته في المرحلة الثانوية كان خطأ، إن صيغة الزخم يمكن تقريبها لتصبح ي = ك* س . بما أن سرع الأجسام الاعتيادية أقل بكثير من سرعة الضوء، فإن هذا لا يؤثر على صحة الصيغة.
إن النظرية النسبية الخاصة نظرية مُدهشة وآثارها رائعة، وبالرغم من عدم إمكاننا ملاحظة تأثيراتها في حياتنا اليومية بشكل مباشر إلا أنّ فهمها يُساعدنا في إدراك جمال الكون بشكل أكبر، وهذا هو الوقود الذي يدفع رغباتنا في سبر أغوار هذا الكون العظيم.

تعليقات